تحليل

رسالة ترامب إلى خامنئي.. ما الجديد هذه المرة؟

جمشيد برزكر
جمشيد برزكر

صحافي ومحلل سياسي

دونالد ترامب يقول إنه أرسل رسالة إلى علي خامنئي. ومن خلال كلامه واستنادًا إلى جميع الأدلة، يبدو أن خلاصة الرسالة هي: "عليكم قبول شروطنا. والخيار لكم في قبول هذه الشروط إما مع أو من دون عمل عسكري."

وأكد الرئيس الأميركي في الرسالة التي أرسلها يوم الأربعاء 5 مارس (آذار) إلى المرشد الإيراني، أنه يفضل التفاوض على اتفاق مع النظام الإيراني بدلًا من اللجوء إلى العمل العسكري. وقد أوضح مسبقًا نتيجة الرفض المحتمل لهذا العرض لخامنئي: "الخيار الآخر هو العمل العسكري، لأن إيران لا يجب أن تمتلك أسلحة نووية."

كما قال ترامب للصحافيين في البيت الأبيض، يوم الجمعة 7 مارس، إن شيئًا ما سيحدث "قريبًا جدًا" بشأن إيران. شيء يأمل أن يتحقق من خلال اتفاق على الورق وليس عبر القصف والهجوم العسكري.

رسالة ترامب إلى خامنئي هي رسالة استسلام بتكلفة أقل. فهو لا يحاول إخفاء المعنى الحقيقي لرسالته مسبقًا: "آمل أن نتمكن من الوصول إلى اتفاق سلام، ولكن الخيار الآخر سيحل المشكلة أيضًا."

منذ عودته إلى البيت الأبيض، سلك ترامب مسارًا ثابتًا تجاه النظام الإيراني. فهو يسعى ويريد دون اللجوء إلى العمليات العسكرية، أن يجبر طهران على إيقاف برنامجها النووي عمليًا، والتخلي عن برنامجها الصاروخي، والكف عن زعزعة استقرار المنطقة عبر مجموعاتها الوكيلة.

ولتحقيق هذه الأهداف، اختار طريقين: الأول هو إحياء سياسة الضغط الأقصى لإجبار النظام الإيراني على الاستسلام، والثاني أن يكون هذا الاستسلام ورفع الأيدي علنيًا وعامًا وليس بشكل سري ومخفي كما تريد طهران وتقاليدها وأسلوبها.

دائمًا التفاوض.. ولكن في الخفاء

الحقيقة هي أنه على عكس ما يقوله قادة النظام الإيراني ووسائل إعلامهم، فقد تفاوضوا دائمًا بشكل مباشر أو غير مباشر مع الولايات المتحدة، من قبل انتصار الثورة في باريس وطهران، إلى التفاوض حول أزمة الرهائن في السفارة الأميركية في الأعوام 1979-1980، أو فضيحة المفاوضات السرية وصفقات الأسلحة في قضية ماكفارلين في الأعوام 1985-1986.

ومن الأمثلة الأحدث المفاوضات السرية في عمان أواخر عهد محمود أحمدي نجاد وإبراهيم رئيسي. ربما تكون مفاوضات الاتفاق النووي استثناءً من حيث إنها لم تكن سرية.

وعلى مدى كل هذه السنوات، حاولت إيران في كل ما أسمته دبلوماسية، أن تقدم أعمالها واتفاقياتها في صمت وظلام وخفاء، مثل الاتفاقيات الاستراتيجية التي وقعتها مع الصين وروسيا والتي لا يعرف أحد تفاصيلها.

وبسبب هذه الطبيعة الإجرامية، لا تريد طهران وتتجنب قدر الإمكان المفاوضات المباشرة والعلنية مع الولايات المتحدة.

علي خامنئي يصف هذه الحالة بـ"لا تفاوض ولا حرب"، ولكن اليوم ليس فقط شخص مثل دونالد ترامب، بل حتى الدول الأوروبية التي كانت تتسامح مع إيران أكثر من أي شيء آخر في نصف القرن الماضي، قد سئمت، وفي ظل الضعف غير المسبوق وهشاشة النظام الكاملة داخليًا وإقليميًا، والتحرك المتزامن نحو امتلاك الأسلحة النووية، تقول صراحةً إن كأس صبرها قد فاض.

من الرسالة التي حملها آبي لخامنئي حتى اليوم

ولهذا عندما يقول ترامب: "يمكننا تحقيق اتفاق جيد مثل الفوز في الحرب. حان الوقت الآن وسيحدث هذا بأي طريقة"، فإن يد النظام الإيراني أصبحت مقيدة أكثر من أي وقت مضى لشرب كأس السم في زاوية مظلمة دون دفع تكاليف مثل هذا الهزيمة والاستسلام في علاقات النظام والشعب الإيراني.

هذه هي الحقيقة الكبرى التي تغيرت، وإلا فإن رسالة ترامب يوم الأربعاء 5 مارس 2024 ليست أول رسالة يرسلها إلى علي خامنئي ويعلم الجميع بها.

ووفقًا لتقرير نُشر في يونيو 2019 على الموقع الرسمي لعلي خامنئي، عندما سافر شينزو آبي، رئيس وزراء اليابان الراحل- الذي كان مقربًا من دونالد ترامب ومحترمًا لديه- إلى إيران، وقال في بداية لقائه مع المرشد الإيراني: "أنا أنوي إيصال رسالة من رئيس الولايات المتحدة إليك"، سمع الرد: "أنا لا أعتبر ترامب شخصًا يستحق تبادل أي رسالة معه، وليس لدي أي رد له ولن أرد."

كان شينزو آبي ذكيًا وخبيرًا بما يكفي فجلس على رسالة ترامب بحيث تكون واضحة في الصور وتسجل ما حدث في هذا اللقاء.

التغييرات التي ستُنهي النظام الإيراني

ولكن اليوم، تغيرت الظروف داخل البلاد وفي المنطقة وعلى الساحة الدولية بشكل أكبر مما كان يمكن تخيله.

على الصعيد الإقليمي، بعد سنوات من التفاخر، أدت المواجهات العسكرية المباشرة الأولى مع إسرائيل إلى نتائج مهينة وكارثية، وحولت الخوف من استمرار هذه المواجهات إلى حقيقة لا يمكن إنكارها لعلي خامنئي وقائد الحرس الثوري.

سنوات من الاستثمار من جيوب الإيرانيين وموارد وإيرادات إيران في سوريا ولبنان وغزة والضفة الغربية والعراق واليمن ودول أخرى في المنطقة، تبخرت وانتهت في أقل من بضعة أشهر، وقوات إيران الوكيلة في أضعف موقف لها منذ نصف قرن من حكم الولي الفقيه في طهران.

في مثل هذه الظروف، ومع فقدان كل ما اعتمدت عليه طهران في سياسة الردع لديها، زادت الرغبة بين قادة النظام الإيراني وقادة الحرس الثوري لتعويض الهزائم من خلال تسريع برنامج تخصيب اليورانيوم للوصول إلى أقرب نقطة من القدرة على تصنيع الأسلحة النووية.

وبطبيعة الحال، لم يخف هذا عن الغرب وإسرائيل، إلى الحد الذي حذر فيه ليس فقط أجهزة الاستخبارات الأميركية، ولكن أيضًا أشخاص مثل جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي لجو بايدن، والفريق الذي كان يأمل في إحياء الاتفاق النووي وحل الأزمة عبر الدبلوماسية، قبل أشهر من وصول إيران إلى لحظة الهروب النووي.

من كأس السم إلى علامة العار

الفساد المؤسسي الواسع وعدم الكفاءة وغياب الأهلية التي غمرت النظام بأكمله، والظلم والتمييز والقمع وقتل المواطنين، كما يشهد قادة النظام الإيراني أنفسهم، وضعت المجتمع على حافة الانفجار والثورة.

الوضع وصل إلى حد أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الذي التزم بالانصهار في الولي الفقيه، وانتقل من المشي في البرلمان إلى الجلوس على كرسي رئاسة السلطة التنفيذية، قال صراحةً إنه كان يؤيد التفاوض ولكن بأمر من خامنئي أصبح الآن معارضًا للتفاوض.

عندما قال علي خامنئي: "التفاوض مع أميركا ليس ذكيًا ولا عاقلًا ولا شريفًا"، كان في الواقع يربط يديه وقدميه، وليس أيدي المسؤولين الذين، على عكسه، يرون طريق بقاء النظام الإيراني في التفاوض والاستسلام للتوصل إلى حل وسط، حتى لو كان مؤقتًا.

العقدة التي ألقاها خامنئي على هذا الخيط، ربما لن تُحل إلا بطريقتين: إما بقبول علني ورسمي لحقيقة أنه لا يمتلك ذكاءً ولا عقلًا ولا شرفًا، أو بفرض تكاليف باهظة وحتى غير قابلة للتعويض على إيران والإيرانيين عبر الحرب وتدمير البنية التحتية التي وإن كانت ملكًا للشعب الإيراني، فإنها محتلة من قبل نظام لصوصي ومافياوي.